وتعمل الجزائر، في هذا الصدد، على مواصلة العمل المشترك في البحث عن السبل والإمكانات اللازمة من أجل حفظ وتثمين الموروث الثقافي الجزائري، إذ قامت وزارة الثقافة والفنون بتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، بتاريخ 15 أوت 2019 بواشنطن، المتعلقة بفرض قيود على استيراد بعض الممتلكات الثقافية، التي جاءت في سياق اتفاقية اليونيسكو لعام 1970.
كما تخلل هذا العمل المشترك، منذ بداياته، عدة تكوينات وملتقيات حول حماية ورقمنه التراث الثقافي والمجموعات التراثية، بمشاركة العديد من المختصين والجمعيات المهتمة بحماية التراث الثقافي، إذ أطلقت وزارة الثقافة والفنون، في الـ09 ماي الماضي، تصميم دليل فوتوغرافي، يتضمن قاعدة بيانات رقمية، عن مختلف الممتلكات الثقافية، الأكثر عرضة للسرقة والتهريب والاتجار غير المشروع عبر كامل التراب الوطني، يعتبر دليلا مرجعيا لموظفي مختلف الأسلاك الأمنية ورجال القانون والشركاء الدوليين الفاعلين في هذا المجال، إذ نظمت وزارة الثقافة، في هذا الشأن، مؤخرا، ندوة تفاعلية حول “دور القانون في حماية التُّراث الثقافي”، بحضور إطارات من وزارة العدل، والدرك الوطني، والأمن الوطني، والجمارك، وقطاع الثقافة والفنون.. وذلك، بهدف مواصلة العمل المشترك في البحث عن السبل والإمكانات اللازمة، من أجل حفظ وتثمين الموروث الثقافي، بالإضافة إلى تناول آليات نقل الممتلكات الثقافية إلى بلدها الأصلي، عبر تطبيق وصيانة القوانين التي تحفظ بيانات الموروث الثقافي، بالاستناد إلى خبرة الباحثين في التكوين والرقمنة التي تضبط سلوك التهريب والاتجار غير المشروع، وكذا الأسس القانونية الواجب اتّباعها، بهدف استعادة القطع الأثرية غير الموثقة، التي تُنهب تبعا لعمليات التصدير والاستيراد بطرق غير مشروعة تخالف اتفاقية اليونيسكو لسنة 1970، مع التركيز على ضرورة سن تشريعات جديدة للمحافظة على الممتلكات الثقافية. وذلك، من خلال تدعيم اتفاقيات التفاهم بقوانين جديدة تحفظ حقوق ملكية الموروث الثقافي.
كما احتضنت الجزائر، قبل أيام، الاجتماع السابع لمرصد التراث المعماري والعمراني في الوطن العربي، الذي عقدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، إذ جمعت الجزائر مختلف الدول العربية، على غرار الأردن وتونس والسعودية وسلطنة عمان وفلسطين وقطر والكويت وليبيا ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن.
وأكدت وزيرة الثقافة والفنون، بالمناسبة، الأهميةَ التي يوليها رئيس الجمهورية لهذا الاجتماع، باعتباره استمرارية للقمة 31 لجامعة الدول العربية، التي احتضنتها الجزائر، بداية نوفمبر المنصرم، مشيرة إلى دور اللقاء الذي يندرج ضمن الجهود العربية بخصوص التشاور في كل ما من شأنه تحديد التراث الثقافي المعماري والعمراني، وبحث سبل صيانته وحمايته من أجل مواجهة التحديات المفروضة على كافة المستويات الإقليمية والدولية.. وصادق الاجتماع على سلسلة من البنود، على غرار اللائحة التفسيرية لميثاق المحافظة على التراث العمراني في الدول العربية وتنميته، بالإضافة إلى الإطار الاسترشادي لسجل التراث العمراني العربي، واستعراض نموذج من ملف الترشيح لسجل التراث العمراني العربي ومشروع النظام الداخلي للمرصد، وكذا استمارة الترشيح لسجل التراث العمراني العربي.
كما استعرضت الجزائر، بالمناسبة، بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لحفظ التراث المعماري، من خلال تعزيز منظومتها التشريعية، المحددة بموجب القانون المتعلق بحماية التراث الثقافي الساري منذ سنة 1998 بمشروع قانون آخر، يتعلق باستغلال الأملاك العمومية، وهو القانون الذي يشدد العقوبات على كل مساس بالتراث الثقافي، بالإضافة إلى الكشف عن فحوى مدونة التجهيز القطاعية التي أدرجت من خلالها وزارة الثقافة والفنون العديد من مشاريع ترميم المعالم التاريخية، من قصور صحراوية مأهولة بالسكان ومعالم مصنفة تراثا وطنيا، إلى جانب إقرار العمل بالقطاعات المحفوظة؛ إذ تم تصنيف 22 مدينة عتيقة في العديد من ولايات الوطن، وإخضاع تسييرها واستغلالها وتهيئتها لشروط صارمة، تضعها وزارة الثقافة والفنون، وتلتزم بها الجماعات المحلية، لتحل محل آليات التعمير المعمول بها بالنسبة إلى العقارات غير المحمية.
ولا تكاد تخلو مختلف الاجتماعات واللقاءات، التي يعقدها قطاع الثقافة، من مناقشة موضوع التراث الثقافي وحمايته كعنصر أساسي في اتفاقيات التعاون مع الدول الغربية، على غرار لقاء العمل الجزائري التشيكي الذي تناولت من خلاله وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، لدى استقبالها سفيرة جمهورية التشيك بالجزائر، “لينكا بوكورنا”، نهاية نوفمبر المنصرم، إذ تناول اللقاء الآفاق والمشاريع المتعلقة بالتعاون بين البلدين، لاسيما في مجال التراث الثقافي، بدايةً من ولاية وهران، من خلال ترميم مجموعات أثرية بالمتحف الوطني “أحمد زبانة”. وذلك، بغرض الاستفادة من الخبرة التشيكية في ميدان الترميم والحفاظ على التراث الثقافي.
وسيتم، في هذا الصدد، إنشاء لجنة لمتابعة إنجاز هذا المشروع، الذي سيعرف زيارة مجموعة من الخبراء التشيكيين مطلع سنة 2023، كما تم الاتفاق مع السفارة التشيكية على ترميم التماثيل الفنية، المهددة بالانهيار في المسرح الجهوي بوهران، التي تعتبر رمزا من الرموز المعمارية لهذا المرفق الثقافي الذي تم تصنيفه ضمن التراث الوطني، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل اتفاق تعاون بين متحف “براغ” والمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل تاريخ الإنسان والتاريخ، والمتعلق بموقع “تيديس” الأثري بولاية قسنطينة. ويهدف هذا الاتفاق إلى التعاون بين المؤسستين، للقيام بدراسات وتكوين بحوث علمية وتبادل زيارات للمختصين والطلبة في هذا المجال.
وفي ذات السياق، عبّر الجانب التشيكي، في إطار مشروع التعاون بين المتحف العمومي الوطني بولاية سطيف والمتحف الوطني ببراغ، عن رغبته في مباشرة عملية ترميم مجموعة من التحف الحديدية والبرونزية المتواجدة على مستوى المتحف الوطني العمومي بسطيف، وتكوين إطارات من المتحف لمدة أسبوعين، بالمتحف الوطني لبراغ.
أما في مجال التكوين، فسيتم إقامة تعاون بين المدرسة الوطنية العليا لحفظ وترميم الممتلكات الثقافية بولاية تيبازة وجامعة باردوبيس التشيكية في مجال التكوين والبحث وتبادل زيارات الأساتذة والطلبة، في مجال حفظ وترميم التراث الثقافي. كما سيتم الشروع في التحضير لتنظيم ملتقى حول “تسيير التراث”، بين المعهد الوطني للتراث التشيكي والمدرسة، وذلك قبل شهر أفريل 2023، بالإضافة إلى إقامة شراكة وتعاون بين المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر ونظيرتها التشيكية، سيمتد لـثلاث سنوات.